العدْو بلا نعل أفضل للمفاصل: دراسة مستفيضة لأثر الأحذية على صحة المفاصل

تُعتبر رياضة الجري من أكثر الأنشطة البدنية انتشارًا حول العالم، لما لها من فوائد صحية متعددة على القلب، الرئتين، الجهاز العضلي، والنفسي. ومع تزايد شعبية الجري، تزداد أيضًا الدراسات والأبحاث المتعلقة بالتقنيات المثلى لممارسته، وخاصة فيما يتعلق بنوعية الأحذية المستخدمة. مؤخراً، برزت فرضية مهمة ومثيرة للجدل في أوساط الرياضيين وخبراء الصحة، وهي أن الجري بدون ارتداء الأحذية، أو ما يُعرف بالعدو بلا نعل، قد يكون أكثر فائدة للمفاصل مقارنة بالجري التقليدي باستخدام الأحذية الرياضية، وذلك لما له من تأثيرات إيجابية على ديناميكية الحركة، امتصاص الصدمات، وتقليل الإصابات المزمنة.

مقدمة تاريخية لفكرة الجري بلا نعل

الجري بلا حذاء ليس ممارسة جديدة أو حديثة، بل هو الوضع الطبيعي للبشر منذ آلاف السنين قبل اختراع الأحذية. تشير الأدلة الأثرية والتاريخية إلى أن الإنسان القديم كان يركض ويجري حافي القدمين، ولم تكن هناك أحذية لحمايته أو دعمه. التطور التقني والحداثة جلبت الأحذية الرياضية التي صممت لتوفير الراحة والدعم، لكنها في الوقت ذاته فرضت نمط حركة اصطناعي على القدم.

في منتصف القرن العشرين، بدأ عدد من العدائين والمختصين بملاحظة زيادة في الإصابات المزمنة لدى الرياضيين، مما دفع بعضهم للعودة إلى الجري حافي القدمين، أو استخدام أحذية ذات نعل رقيق جداً تحاكي حالة القدم الحافية. كانت هذه نقطة انطلاق حركة الجري الطبيعي (Natural Running)، التي تهدف إلى إعادة القدم إلى حالتها الطبيعية أثناء الحركة.

الفرق الأساسي بين الجري بالأحذية والجري بلا نعل

عند ارتداء الأحذية الرياضية التقليدية، غالبًا ما يكون النعل سميكًا ومبطنًا، وهذا يؤدي إلى طريقة جري تعتمد على الكعب في الارتطام بالأرض أولاً (Heel Strike). هذه الطريقة تولد قوة ارتطام عالية تؤثر على مفاصل الركبة، الكاحل، والورك. بالمقابل، عند الجري بلا نعل، يميل الجسم إلى الهبوط على مقدمة القدم أو منتصفها (Forefoot or Midfoot Strike)، مما يقلل من قوة الصدمة على المفاصل.

إن اختلاف طريقة ملامسة القدم للأرض أثناء الجري هو العامل الأساسي الذي يفسر الفوائد الملموسة للعدو بلا نعل على صحة المفاصل. عندما يلامس الكعب الأرض أولاً مع نعل سميك، تنتقل طاقة الارتطام مباشرة عبر العظام والمفاصل، مما يزيد من احتمال تعرضها للإجهاد والالتهابات المزمنة. أما عند الهبوط على مقدمة القدم، فإن العضلات والأوتار تقوم بدور امتصاص الصدمات بشكل أكثر فاعلية، مما يحمي المفاصل.

الفوائد الصحية للجري بلا نعل على المفاصل

1. تقليل الضغط على مفصل الركبة

تشير الدراسات العلمية إلى أن الجري بالكعب أولاً يسبب ارتفاعًا في قوة الصدمة التي تصل إلى مفصل الركبة بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف وزن الجسم. هذا الضغط المستمر قد يؤدي إلى إصابات مزمنة مثل التهاب الغشاء الزليلي، تمزق الغضاريف، أو حتى الفصال العظمي. بالمقابل، يساهم الهبوط على مقدمة القدم في توزيع الوزن بشكل أكثر توازنًا، مما يقلل من الضغط الواقع على الركبة، ويحميها من الإصابة.

2. تحسين وظيفة عضلات الساق والكاحل

الجري بدون حذاء يحفز العضلات الصغيرة في القدم والكاحل على العمل بشكل أكبر، لأنها تتحكم بشكل مباشر في استقرار القدم على الأرض. هذا يؤدي إلى تقوية العضلات المحيطة بالمفاصل، مما يعزز دعم المفاصل ويقلل من خطر الإصابات مثل التواء الكاحل أو التهاب الأوتار.

3. تحسين التوازن والقدرة الحركية

العدو بلا نعل يحسن الحس العميق أو الحس الحركي (Proprioception) للقدم، وهو الإحساس بوضعية وحركة الجسم في الفضاء. هذا التحسن يساهم في تعزيز التنسيق الحركي ويقلل من خطر السقوط أو الإصابات الناتجة عن فقدان التوازن.

4. الوقاية من إصابات الإجهاد المزمنة

استخدام الأحذية ذات النعل السميك قد يؤدي إلى التعود على نمط حركة غير طبيعي، مما يزيد من احتمالية الإصابة بإصابات الإجهاد المزمنة مثل متلازمة الشظية الجانبية أو التهاب الأوتار. العدو بلا نعل يساعد في تجنب هذه الأنماط، ويعيد توزيع القوى بشكل صحي على القدم والساق.

التحديات والمخاطر المحتملة للجري بلا نعل

على الرغم من الفوائد العديدة للجري بدون حذاء، إلا أن هذه الممارسة ليست مناسبة للجميع ولا تخلو من بعض التحديات، والتي يجب أخذها بعين الاعتبار:

• الإصابات الطفيفة والسطحية: الجري حافي القدمين قد يعرض العدّاء إلى جروح أو خدوش بسبب الحصى أو الزجاج أو الأسطح الحادة.

• تغير نمط الحركة بشكل مفاجئ: الانتقال من الجري بالحذاء إلى الجري بدون حذاء بشكل مفاجئ قد يؤدي إلى إجهاد عضلي أو تمزقات في الأوتار بسبب تغير نمط الحركة.

• تكييف القدمين والجسم: يحتاج الجسم لفترة زمنية للتكيف مع الجري بدون نعل، ويجب أن يكون الانتقال تدريجيًا لتجنب الإصابات.

كيفية الانتقال التدريجي للجري بلا نعل

للتمتع بفوائد الجري بدون حذاء، يجب أن يتم الانتقال تدريجياً وبحذر، ويفضل أن يكون تحت إشراف متخصص في التدريب الرياضي أو العلاج الطبيعي، مع اتباع الخطوات التالية:

1. بدء التمارين على الأسطح الناعمة: مثل العشب أو الرمل لتقليل الإصابات الطفيفة.

2. تقليل مدة الجري تدريجياً: لا يُنصح بالجري لمسافات طويلة في البداية، بل يفضل البدء بمسافات قصيرة تتراوح بين 100 إلى 500 متر.

3. تمارين تقوية القدم والكاحل: تتضمن تقوية العضلات والأوتار المحيطة لتحمل التحميل المتزايد.

4. مراقبة ردود فعل الجسم: في حال ظهور ألم أو تورم يجب التوقف واستشارة الطبيب.

مقارنة بين أنواع الأحذية الرياضية والأثر على المفاصل

تختلف أنواع الأحذية الرياضية باختلاف التصميم والغرض منها، مما يؤثر بدوره على طريقة الجري والضغط على المفاصل. فيما يلي جدول يوضح التأثيرات المختلفة لأنواع الأحذية على المفاصل:

الدراسات العلمية الداعمة للجري بلا نعل

أظهرت أبحاث متعددة من جامعات عالمية رائدة نتائج مؤيدة لفكرة أن الجري بدون حذاء يقلل من إصابات المفاصل. دراسة نشرت في مجلة “Journal of Applied Physiology” بينت أن العدائين الحافيين أظهروا قوة ارتطام أقل بنسبة 20-30% مقارنة بأولئك الذين يستخدمون أحذية ذات نعل سميك. كما أظهرت دراسات أخرى أن الجري بدون نعل يحسن من كفاءة استخدام العضلات و يقلل من استهلاك الطاقة.

الخلاصة

تثبت الأدلة العلمية والتجارب العملية أن الجري بلا نعل يحمل فوائد جمة للمفاصل والعضلات مقارنة بالجري باستخدام الأحذية الرياضية التقليدية. يساعد هذا النمط من الجري على تقليل قوة الصدمات الموجهة إلى مفاصل الركبة والكاحل، وتحفيز عمل العضلات الصغيرة الداعمة للقدم، وتحسين التوازن. مع ذلك، يحتاج الانتقال إلى الجري بدون حذاء إلى وعي وحذر شديدين لتجنب الإصابات، ويجب أن يتم تدريجيًا مع مراعاة ظروف الأرض والتدريب.

هذا التوجه يعيد النظر في مفهوم الحماية والدعم عند ممارسة الرياضة، مشيرًا إلى أن الاعتماد على الأحذية ذات النعل السميك قد لا يكون دائمًا الحل الأمثل لصحة المفاصل على المدى الطويل. إن فهم الجسم وطبيعة حركته، والعودة إلى طبيعة القدم البشرية الحقيقية، قد يكون الطريق نحو جيل أقل إصابات وأكثر صحة في مجال الجري والرياضة بشكل عام.

المراجع:

1. Lieberman, D.E., et al. (2010). Foot strike patterns and collision forces in habitually barefoot versus shod runners. Nature, 463(7280), 531-535.

2. Squadrone, R., et al. (2009). Biomechanical and physiological comparison of barefoot and two shod conditions in experienced barefoot runners. Journal of Sports Medicine and Physical Fitness, 49(1), 6-13.